إخوانى وأخواتى الاعزاء
حكاية الرجل المريض: القصة الكاملة للإمبراطورية العثمانية
(1) سقطت بغداد على يد هولاكو المغولي (مؤسس السلالة الإيلخانية) في عام 1258، وبسقوطها انتهت الخلافة العباسية وقتل آخر خلفائها (المستعصم). دام حكم العباسيين خمسة قرون ونيف (750-1258)، وبزوالهم المفاجئ صارت منطقة الشرق الأوسط نهباً مشاعاً للغزاة من كل القوميات والأجناس والأعراق، وخلت الساحة من "أمراء المؤمنين" الذين يؤمون المصلين في المساجد نهاراً، ليقيموا مجالس القصف والسكر والخلاعة والفجور في قصورهم ليلاً.
(2) بعد ربع قرن من الزمان أسس عثمان الأول (1281-1326) الإمبراطورية التي سميت فيما بعد باسمه. وضع عثمان نواة إمبراطوريته تلك في الجبال الوعرة من وسط أسيا الصغرى (قرب أنقرة الحالية)، وعلى مسافة تزيد على ألف كيلومتر شمال/غربي مدينة بغداد. استثمر سلاطين بني عثمان الظرف التاريخي لصالحهم فأطلقوا على أنفسهم لقب "أمراء المؤمنين"، وقالوا بأنهم حماة حمى الإسلام، والذائدين عن الأرض والعرض.. يحكمون باسم الدين، ويقاتلون "في سبيل الله"، لنشر دينه "الحنيف"، وإبادة "الكفرة" عن وجه الأرض.
(3) لم تذق البشرية طعم الراحة والسلام، على مدى سبعة قرون ونصف (1281-1923)، إذ أغرقها العثمانيون في دوامة من الحروب المتواصلة، وأبادوا أمماً وقبائل عن بكرة أبيها. توالى على حكم الخلافة سبعة وثلاثين سلطاناً كان آخرهم السلطان عبد المجيد الثاني (1922-1924). نجح العثمانيون خلال فترة حكمهم الطويل في نشر الرعب والهلع والقتل والدمار في كل الأرجاء. فتكوا بكل ما وقع في قبضتهم من شعوب وممالك وحضارات، حتى حلت نهايتهم بنهاية الربع الأول من القرن العشرين حين انبرى القائد التركي العظيم مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938)، ليطهّر بلاده من رجس الطغاة، ويلغي نظام الخلافة، ويعلن عن تأسيس الجمهورية التركية الحديثة (1923).
(4) تحت معاول العثمانيين الأوباش، سقطت القلاع الحصينة والمدن الزاهرة، واحدة تلو الأخرى. واستشرى وباء العثمنة في الأمم كالنار في الهشيم، فتهاوت تحت ضرباتهم اللئيمة كل أسيا الصغرى، ونصف أوربا وعموم منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. خلف أورخان (1324-1359) أباه عثمان الأول، فاحتل مدينة بروسة وجعلها عاصمة له، وتلاه مراد الأول (1359-1389) الذي احتل أدرنه وجعلها عاصمة له، ثم احتل صوفيا وتسالونيقي (1385-1386).
(5) تخلف بايزيد الأول (الصاعقة) (1389-1402) عن أسلافه، فانهزم أمام تيمورلنك في معركة أنقرة (1402) وسقط في الأسر. لكن مراد الثاني (1421-1451) تدارك عثرة جده بايزيد فاستعاد زمام الأمور وانتصر على بولونيا وهنغاريا (المجر) في معركة فارنا (1444)، وعلى صربيا في معركة كوسوفو (1448). وسار محمد الثاني (الفاتح) (1451-1481) على خطى أخيه مراد الثاني فأسقط الدولة البيزنطية واستولى على عاصمتها القسطنطينية (1453)، التي جعلها عاصمة للعثمانيين وأسماها الأستانة (استنبول)، ثم حاصر بلغراد وارتد عنها أمام صمود يوحنا هونيادي، لكنه واصل غزواته ضد البيزنطيين، وأسقط عاصمتهم المؤقتة في مدينة طرابزون الأرمنية (1461).