الخوف من الله
فضيلة الشيخ / ناصر بن مسفر الزهراني
قال الله تعالى: ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴿63﴾ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ ...
[يونس: 62-64 ].
قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿40﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ ... [النازعات: 40، 41 ].
الخوف من الله تعالى سمة المؤمنين، وآية المتقين، وديدن العارفين، خوف الله تعالى في الدنيا طريقٌ للأمن في الآخرة، وسببٌ للسعادة في الدارين، ودليل على كمال الإيمان، وحسن الإسلام، وصفاء القلب، وطهارة النفس، إذا سكن الخوف في القلب أحرق مواضع الشهوات منه وطرد بهرج الدنيا عنه، وهو سوط الله يقوِّم به الشاردين عن بابه ويرد به الآبقين إلى رحابه.
الله تعالى يريد لعباده أن يعرفوه ويخشوه ويخافوه، وقد وصف لهم الأدلة الساطعة، والبراهين القاطعة التي تدل على عظمته، وتنبئ بكبريائه؛ ليهابوه ويخافوه ويجلّوه، ووصف تعالى في كتابه العظيم، وفيما أوْحى إلى نبيه الكريم؛ وصف شدة عذابه، وقوة بطشه، وسرعة أخذه، ودار عقابه، وما أعدّه لأعدائه من العذاب والنكال، وذكر النار وأهوالها، وما فيها من الزقوم والضريع، والحميم والسلاسل والأغلال، والفظائع والأهوال، ودعا عباده إلى خشيته وتقواه، والبعد عن سخطه والمسارعة إلى رضاه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ ... [لقمان: 33 ].
احتوى القرآن الكريم على آيات من الوعيد تزلزل الوجدان، وتهز النفوس، وتفتت الأكباد، وتقرح الجفون، وبين أنها تخويف لعباده ليسلكوا النهج القويم ويخالفوا أصحاب الجحيم.
قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿15﴾ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ ... [الزمر: 15، 16 ].
وقد أخبر تعالى أن كتابه الكريم، ومواعظه البالغة، وحِكَمه النافعة، ونذره القاطعة لا تظهر ثمرتُها، ولا تبدو بركتها إلا للخائفين من ربهم، والمشفقين من معبودهم، قال تعالى: ﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ ... [الأنعام: 51 ].
وقال تعالى: ﴿ طه ﴿1﴾ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴿2﴾ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ ...
[طه: 1-3 ].
وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ... [الزمر: 32 ].
وقال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ ... [ق: 45 ].
فالخائف يتذكر ويتعظ، ويخشع ويعتبر؛ ولذلك كان لسان حال الأنبياء - عليهم السلام -: ﴿ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ ... [الأنعام: 15 ]،
والمؤمنون الصادقون هم: ﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ ... [النور: 37 ]،
وهم الذين: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ ... [السجدة: 16 ]،
ومن أعظم صفاتهم أنهم: ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴿7﴾ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴿8﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ﴿9﴾ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ﴾ ... [الإنسان: 7-10 ]،
فكانت النتيجة المبهجة، والثمرة المباركة: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ﴾ ... [الإنسان: 11 ].
المسلم الصادق، والمؤمن الخاشع؛ هو الذي عرف الله تعالى حق المعرفة، وعرف قوله جل وعلا: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ﴾ ... [آل عمران: 28 ]،
فهو يخاف الله ويحذره، ويهابه ويتقيه، قال – صلى الله عليه وآله وسلم -: ( من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ).
وقال وهب بن منبه - رحمه الله -: ما عبد الله تعالى بمثل الخوف.
وقال أبو سليمان الدارني: أصل كل خير في الدنيا والآخرة هو الخوف من الله عز وجل، وكل قلب ليس فيه خوف الله فهو قلب خرب.
فأين القلوب الممتلئة بخوف الله، المفعمة بخشية الله، المترعة بمهابة الله، أين القلوب التي ذلت لعزة الجبروت، وخشعت لصاحب الملكوت، وأعدّت لما بعد الموت.
الخوف شجرة طيبة إذا ثبت أصلها في القلب امتدت فروعها إلى الجوارح، فآتت أكلها الطيبة بإذن ربها وأثمرت عملا صالحًا، وقولا رابحًا، وسلوكًا قويمًا، وفعلا كريمًا تخشع الجوارح، وينكسر القلب، ويرف الفؤاد، وتزكو النفس، وتجود العين.
إذا خاف المرء ربه أخاف الله منه كل شيء، وإن لم يخف ربه أخافه من كل شيء.
الخوف منه تعالى؛ مانع للذنب، عاصم من الخطأ، حافظ من الزلل، مبعد عن الخلل، حافز للنفس، موقظ للضمير، حاث على الاجتهاد، وأنى لقلب لم يزرع فيه خوف الله أن يرتدع عن الهوى، ويرعوي عن الجهل، وكيف لفؤادٍ لم تسكنه خشية الله والهيبة لجلاله، والوجل من بطشه، والإشفاق من وعيده؛ كيف له أن يعمر بالطاعة، ويتجافى عن المعصية، ويتنكر للخطيئة، ويستوحش من الذنب.
إن الخوف سمة لأولي الألباب: ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴿20﴾ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ﴾ ... [الرعد: 20، 21 ]، وخوف الله تعالى هو الذي حجب قلوب الخائفين عن زهرة الدنيا وعوارض الشبهات. وقوة مراقبة المرء لربه، ومحاسبته لنفسه بحسب قوة معرفته بجلال ربه والخوف من وعيده.
إذا مـا الليل أظلم كابـدوه فيسفـر عنهمُ وهـمُ ركوع
أطار الخوف نومهمُ فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوعُ
الخائف من الله تعالى عاقبته الأمن والسلام، وثوابه أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذكر - صلى الله عليه وآله وسلم – السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة فذكر منهم: ( رجلا دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين )، وذكر منهم: ( رجلا ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه).
لقد ورد الحديث عن الخوف من الله تعالى في القرآن الكريم والسنة النبوية بكلمات عدة، وألفاظ متنوعة، منها: الإشفاق، والخشية، والوجل، والرهي[center]